المدونة
حاجة علوم القرآن إلي اللغة العربية
- أكتوبر 1, 2020
- Posted by: sohaib
- Category: اللغة العربية والعلوم الأخرى
يمكن القول: “إن النحو العربي نشأ لفهم القرآن الكريم، وتليقن اللغة العربية لغير الناطقين بها من الأقوام؛ الذين دخلوا إلي الإسلام” ، وهذه محاولة لبيان تلازم علوم القرآن، وعلوم العربية، وتأخيها، حتي أنه ليعسر فصل أحدهما عن الآخر، في النشأة، والتكوين، والتاريخ ، والتأليف، والدوافع، والمقاصد، حتي صار بينهما تزاوج مكين، وتمازج وثيق متين، بحيث لا يستغي طالب علم عن العلم الآخر، ولا يؤتي شق ثمرته- علي الوجه المرضي- بدون الشق الآخر؛ لافتقار كلٍ إلي شقه، وتعذر استغنائه عنه، من خلال كلماتهم، ومؤلفاتهم، وتجاربهم العملية في الحياة العلمية، ولا يتحقق فهم صحيح القرآن إلا بتحقق فهم صحيح للغة العربية:أوضاعها واستعمالاتها، وتراكيبها، وأبنيتها، معانيها وأساليبها؛ وهو السر في قولهم: “سبيل التفسير أن يرجع في تفسير ألفاظه إلي أهل اللغة”.
وقد قرر بعض الأصوليين قاعدة مهمة ، وهي أن كل معني مستنبط من القرآن غير جار علي اللسان العربي؛ فليس من علوم القرآن في شيء.
كيف بدأت الحاجة إلي علوم العربية؟
قال تعالي (بلسان عربي مبين) ” الشعراء: 195″.
وقال تعالي(وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه ليبين لهم فيضل الله من يشاء ويهدي من يشاء وهو العزيز الحكيم) “إبراهيم: 4”.
ولم يحتج السلف الأول إلي السؤال عن معانيه؛ لأنهم كانوا عرب اللسان، فاستغنوا بعلمهم عن معانيه، وعما فيه من كلام العرب مثله من الوجوه والتلخيص.
قال الزهري: “إنما أخطأ الناس في كثير من تأويل القرآن؛ لجهلهم بلغة العرب” ومع مرور الأيام، وتوالي الأعوام، احتاج المسلمون إلي تعلم العربية،، ومعاني الألفاظ العربية في القرآن والسنة؛ لأن الإسلام قد ظهر في جميع أقطار الأرض، وأكثر أهل الإسلام من الأمم هم عجم، والحاجة ماسة لتعلم العربية وعلومها؛ لفهم كلام الله تعالي وسنة نبيه صلي الله عليه وسلم.
قال أبو منصور الأزهري: “نزل القرآن الكريم، والمخاطبون به قوم عرب، أولو بيان فاضل، وفهم بارع، أنزله عز وجل بلسانهم، وصيغة كلامهم الذي نشؤوا عليه، وجبلوا علي النطق به ، فتدربوا به، يعرفون وجه خطابه، ويفهمون فنون نظامه، ولا يحتاجون إلي تعلم مشكله، وغريب ألفاظه، حاجة المولدين الناشئين فيمن لا يعلم لسان العرب حتي يعلمه، ولا يفهم ضروبه، وأمثاله، وطرقه، وأساليبه حتي يفهمها.
وبين النبي صلي الله عليه وسلم للمخاطبين من أصحابه- رضي الله عنهم- ما عسي الحاجة إليهم من معرفة بيان لمجمل الكتاب، وغامضه ، ومتشابهه، وجميع وجوهه التي لا غني بهم، وبالأمة عنه، فاستغنوا بذلك عما نحن إليه محتاجون، من معرفة لغات العرب، واختلافها، والتبحر فيها، والاجتهاد في تعلم العربية الصحيحة التي بها نول الكتاب، وورد البيان.
فعلينا أن نجتهد في تعلم ما يتوصل بتعلمه إلي معرفة ضروب خطاب الكتاب، ثم السنن المبينة لجمل التنزيل، الموضحة للتأويل، لتنتفي عنا الشبهة الداخلة علي كثير من رؤساء أهل الزيغ والإلحاد، ثم علي رؤوس ذوي الأهواء والبدع؛ الذين تأولوا بآرائهم المدخولة، فأخطؤوا وتكلموا في كتاب الله عز وجل بلكنتهم العجمية، دون معرفة ثاقبة، فضلوا وأضلوا”.
وقال الشافعي: “إن علي الخاصة التي تقوم بكفاية العامة فيما يحتاجون إليه لدينهم الاجتهاد في تعلم لسان العرب ولغاتها؛ التي بها تمام التوصل إلي نعرفة ما في الكتاب والسنة والآثار، وأقاويل المفسرين من الصحابة والتابعين، من الألفاظ الغريبة، والمخاطبات العربية، فإن من جهل سعة لسان العرب وكثرة ألفاظها، وافتنانها في مذاهبها جهل جمل علم الكتاب، ومن علمها، ووقف علي مذاهبها، وفهم ما تأوله أهل التفسير فيها، زالت عنه الشبه الداخلة على من جهل لسانها من ذوي الأهواء، والبدع”.